أبرز ما لاحظته خلال فترة الثورة المصرية ، أن قضايا الفساد الضخمة و استغلال النفوذ كانت محمية بقوانين وتشريعات و قرارات تسمح بممارسات تخالف كل قواعد العدالة ، وهو تصرف تقوم به هذه الحكومات لإضفاء شرعية باطلة على كل هذه التصرفات .
ومع إجراء مقارنة بسيطة ، تبين لي أننا في الكويت لسنا بغائبين عن هذا الأسلوب في الإدارة سواء كانت لدى السلطة التنفيذية أو التشريعية و نكتفي هنا ببيان مثالين عما نقوله لكل سلطة .
أولا" : السلطة التشريعية : تنص المادة (95) من الدستور الكويتي على أنه : " يفصل مجلس الأمة في صحة انتخاب أعضائه و لا يعتبر الانتخاب باطلا" إلا بأغلبية الأعضاء الذي يتألف منهم المجلس ، ويجوز بقانون أن يعهد بهذا الاختصاص إلي جهة قضائية " ، وهذا يعني ببساطة شديدة أن المجلس سيد قراره كما كان الحال في مجلس الشعب المصري ، والذي تم تعديل الدستور المصري مؤخرا" بما يخالف ذلك ، ورغم أن المشرع الدستوري الكويتي قد أجاز في الفقرة الأخيرة من المادة سالفة الذكر أن يعهد بصحة عضوية الأعضاء إلي جهة قضائية إلا أنه و للأسف الشديد لم يتم التصدي لذلك حتى الآن مما يجعل الطعن بعضوية أي نائب من قبل الشعب أو أي من أفراده مستحيلا" كما حدث معي شخصيا" حين لجأت للقضاء لإنهاء عضوية من يجمع بين عضوية أو رئاسة مجلس إدارة شركة وعضوية المجلس ، وقد أصدرت المحكمة المختصة حكمها بعدم الاختصاص بإعتبار أنها مسئولية المجلس ، وذلك فإن المطلوب هو نزع هذه السلطة من المجلس الذي يجامل أعضائه بعضهم بعضا" و إعطائها إلي جهة قضائية محايدة إذا أردنا أن نخطو الخطوة الأولى لإصلاح المؤسسة البرلمانية .
ثانيا" : السلطة التنفيذية : تنص المادة الثانية من قانون لجنة المناقصات المركزية أنه : " لا يجوز للوزارات و الإدارات الحكومية أن تستورد أو تكلف بأعمال إلا من خلال لجنة المناقصات المركزية واستثناء من ذلك يحق لهذه الجهات التعامل المباشر لما لا يزيد عن خمسة آلاف دينار فماذا حدث لهذا القانون ؟ حسنا" لقد أصدر مجلس الوزراء قرارا" منسوبا" للمجلس الأعلى للبترول في 7 سبتمبر 2005 و هو أدنى مرتبة من قانون لجنة المناقصات ، و يقضي هذا القرار الخطيئة بأنه يجوز لوزارة النفط ومؤسساتها التابعة لها أن تتعاقد مباشرة مع أية جهة دون المرور على لجنة المناقصات العامة ليس في حدود الخمسة آلاف دينار التي ذكرناها و إنما أن لا يتجاوز المبلغ خمسة ملايين دينار و نكرر خمسة ملايين دينار بدلا" من خمسة آلاف دينار !! وذلك في القرار رقم 1/2005 الصادر عن مجلس الوزراء بتاريخ 7/9/2005 .
وحين نستمع إلي أرقام خطة التنمية الملياريه لا نملك إلا الرجاء بأن يتصدى من يهمه الأمر – إن اهتم – و مجلس الأمة لإرجاع الأمور إلي نصابها فهذا القرار يخالف قانون أعلى منه درجة ، وكل التصرفات التي بنيت عليه باطلة بطلانا" مطلقا" لتعلقها بالنظام العام ، ومع ذلك لم نسمع أحدا" يتصدى لهذا القرار أو أن يوجه سؤالا" إلي وزير النفط ليسأله على الأقل عن عدد العقود أو المناقصات أو الممارسات أو أوامر الشراء المباشرة التي قامت بها الوزارة و مؤسساتها بعد إصدار هذا القرار الخطيئة .
ما قلناه مثالين فقط يبينان مدى شرعنه الفساد و تقنينه ، وأولى الخطوات في رأيي للإصلاح لا تكون بالصراخ البرلماني بل في التصدي لإساءة التشريع واستغلاله .
أقوما أقول ، فهل أجد من يسمع ؟
صلاح الهاشم salhashem@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق