-
عام 1964 كنت في التاسعة والشقيق الأكبر الأستاذ فؤاد في الحادية عشر ، كنا
بعيدين عن السياسة وهمومها ، أذكر تلك الليلة جيدا .. أيقظنا الوالد يرحمه الله –
من نومه الظهر الإلزامية ، وطلب منا الاستعداد للذهاب إلي المسرحية ، كان لفظا – غريباعليناـ اصطحبنا في سيارته البلايموث
الأخضر ، إلي مسرح كيفان ، كانت جموع من الناس واقفة ، أمرنا بالانتظار في مكان ما
من المسرح ، عاد بعد دقائق غاضبا" نفذت التذاكر " أخبره من بالشباك ،
أصّر على رؤية مدير المسرح ، كان الراحل الفنان خالد النفيسي – يرحمه الله –
رأيناه يدخل في حوار مع والدي ، الذي رفض أن يقبل كلمة " لا " ، حلا
للإشكالية تدبر لنا مقاعد في الطابق العلوي من المسرح ، جلسنا في الصف الأول منه ،
أبهرتني أضواء المسرح وستائره الحمراء المذهبة ، كان دخان السجائر يغطي الأجواء
كغمامه بيضاء ، ساد صمت ، ثم ثلاث دقات خشبية تعلن فتح الستارة ، ظهر النجوم
وكانوا لازالوا وسيبقون نجوما ، الكبير عبدالحسين عبدالرضا والرائع سعد الفرج ،
والعملاق خالد النفيسي والمبدع جوهر سالم ، والمتقمص لدوره عوعو ، والجميلة مريم
الرقم والراحلة العظيمة مريم الصالح وآخرين أكملوا جمال المسرحية ، كانت "
الكويت سنة 2000 ، وكلما ظهر مشهد أو قيل
حوارا ضجت الصالة بالتصفيق وأولهم والدي ، وكنت أرى سيجارته " غازي "
وهو يضعها بين شفتيه لكي يصفق لهؤلاء الكبار ، و يقول متذمرا " ستكون الكويت
كذلك لو استمرينا بما نحن فيه " كنا نسمع شقيقي فؤاد وأنا ، ولا نعبأ كثيرا
بالحوار وإن كانت جملة " دقي يا ساعة دقي " للنفيسي تتردد كلازمة مضيئة تشق
عتمه ليل .
-
استذكرت هذا كله وأنا أشاهد الكبير عبدالحسين عبدالرضا على شاشه الوطن قبل
أيام ، وحرصت على رؤية اللقاء أثناء إعادته أكثر من مرة ، وازداد احترامي وتقديري
لهذا الكبير في كل شيء حتى في تواضعه واعتذاره أن بدرت منه زلة ، " فوتوّلي
" – يقولها بوعدنان بمحبة -ومن لا
يفوّت لأبوعدنان ما يقوله وما يفعله ؟
- صريح إلي درجة الحزن ، والانكسار ، يتحسر على بلده – وهو محق - ، ومسرحه
وفنونه ، قالها صريحة " ما يبون مسرح " ولا ندري من هم ؟ هل هم السلطة
الخائفة والشيوخ الذين يضعفون عند أول صرخة من المتأسلمين ؟ أم من القوى الدينية
التي تتربص بالمسرح والفنانين والفن عموما ؟ أم من هذا الصمت العاجز الذي تمارسه
كل القوى المدنية والتنويرية بالكويت وهم يشاهدون نور الكويت وضيائها يخبو ويخبو
وهم يكتفون بالتحلطم والتقرطم ؟ حزنت لحزن بوعدنان ، وددت لو أهمس في أذنه "
لقد أسمعت لو ناديت حيا يا بوعدنان ، ويا مطوطي في جليب ، فليس القوم الآن أو
وزراء الإعلام الآن سوى صور باهته وكرتونية وكأنهم ماء زلال لا لون لهم ولا طعم
ولا رائحة ، وإن كان العتب الأكبر على من نصنفهم بالليبراليين كالسنعوسي ابن الكار
وابن الفن أو النصف أو بن طفلة ، وكأنهم يذكرونني بالمثل العربي الساخر القارص " شهاب الدين
أ ... من أخيه !!! " شاهدته يتحسر ويتألم وهو يستذكر الرائع الشيخ جابر العلي
حين كان وزيرا للإعلام ، هذا الكبير بوعدنان ، لا يجب أن نراه كممثل عملاق ورائع
فقط ، بل هو إنسان وطني حتى النخاع تأخذه الغيرة على بلده و ناسه وأهله ، يحزنه
تكبيل يديه وتكميم صوته في بلده ، يضايقه عدم وجود مسارح ودور عرض ولو بنيت على
حساب الفنانين ، يتسائل ويتحسر ويضرب كفا بكف ، ولو أنصف الزمن يا بوعدنان – وما
هو بناصف – لهوت كفوفك على وجوه من يتعمد تعطيل وإلغاء نور الفن وإشراقته من
حياتنا .
-
أتمنى عليك يا بوعدنان أن تخوض الانتخابات البرلمانية القادمة في أية دائرة
تختارها وسوف نكون ومعي الكثير مفاتيح انتخابية لك ، فقط حتى تستطيع أن تشرّع لنا
وتقول ما عجزنا ومللنا من قوله ، ربما وأقول ربما يسمع صوتك من كان به صمم !! وهم
كثر !!
-
الكبير بوعدنان ، لم أقبّل في حياتي رأس أحد سوى والدتي – أطال الله عمرها –
فقد توفي أبي ونحن صغار ، ولكنني أقولها علانية ومكتوبة ، سأضع قبله على جبينك
تعبيرا عن الامتنان والعرفان والتقدير لإنسان أسعدنا وأمتعنا وأضحكنا وأحيانا
أبكانا على أنفسنا وذواتنا ، لك دوام الصحة يا كبير الفن ، وأطال الله عمرك ،
وأبقاك للفن ورسالته وأهدافه رمزا وذخرا .
●●●●●●●●●●●●●●●
للرقيب كلمة :
ألم يأن الأوان لإطلاق اسم الكبير بوعدنان ورفاق دربه
على العديد من المؤسسات والمسارح والاستوديوهات الفنية في الكويت ؟ أهكذا يعامل
كبارنا ؟ أليس فيكم من رجل رشيد ينزل هؤلاء الكبار منازلهم .
من يجرؤ على الإجابة .. فليرسلها لي..
> تعليق الرقيب : لا تعليق !!
للرقيب كلمة قانونية :
لست معنيا بالتنبؤ بمنطوق حكم الدستورية في 16/6 ولكنني
أعلم شيئا واحدا بحكم المهنة و الخبرة ، أن ما سوف يرد في حيثيات وأسباب الحكم
سيكون أخطر بكثير من المنطوق ذاته ، وسوف تشكل هذه الحيثيات قواعد دستورية آمره
إلي وقت طويل من الزمن .
لننتظر .... ونرى !!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق