في أعقاب ثورة 1952 المصرية ، وانتشار الزخم الثوري الناصري ، كان لابد لهذا الزلزال أن تكون له تداعيات عديدة في المنطقة نتج عنها زيارة وفد من أمراء السعودية آنذاك بقيادة الأمير طلال بن عبدالعزيز ، واستقبلوا استقبالاﹰ حافلاﹰ في مصر وأطلق عليهم المذيع أحمد سعيد آنذاك لقب الأمراء الأحرار على وزن الضباط الأحرار الذين قاموا بثورة يوليو 1952 استذكرت هذا التاريخ السياسي القريب ، واسترجعت معه التاريخ السياسي الكويتي الأقرب ، حيث تصادف في أواخر التسعينات من القرن الماضي ، أن استلزمت الضرورة المهنية كمحام أن ألتقي عدة مرات بالشيخ جابر المبارك رئيس الوزراء الحالي في مكتبه بقصر بيان حين كان يشغل منصب مستشار في الديوان الأميري ، ولم يخلو الأمر في هذه اللقاءات من طرح موضوعات عامة تلامس الواقع السياسي آنذاك بعد التحرير وسوء الأداء الحكومي ، وضرورة التفات الحكومة إلي مطالب الشعب ، وتحسين أدائها الحكومي ، وحديث آخر طويل قد يحين الوقت لذكره وكتابته ، والآن بعد أن تبوأ الشيخ جابر المبارك رئاسة الوزراء وأصبح ليس فقط قادراﹰ على قيادة حكومة جديدة و مجلس جديد ونهج جديد كما وصفها بنفسه بل هو قادر – إن شاء – أن تكون له بصمة سياسية في التاريخ السياسي الكويتي ، وقد رجعت إلي أرشيفي لكي أقرأ بعضا من الوثيقة التاريخية التي كتبها مجموعة من أبناء الأسرة الحاكمة في 13/7/1992 ومن ضمنهم الشيخ جابر المبارك ، وما ورد في هذه الوثيقة ما يلي :
" .... لم تعد الكويت متبوأة مركزها الذي عرفت به في عالم المال ، وكثرت بتبعية تحمل النظام للأداء الحكومي ...."
وأيضا" ما ورد فيها :.... وكلنا أمل بأن نكون قد استفدنا من تجارب الماضي وأن نتعاضد سوياﹰ في بناء الدولة الثانية أكثر نضجاﹰ وإنتاجاﹰ وأداء ... لكننا بكل أسف لا نرى مجالاﹰ لهذه الآمال ضمن الطريق الذي يسير فيه نمط التفرد بالسلطة وتحميلنا كأبناء النظام بتبعية ذلك ....
والوثيقة طويلة وحيوية وجميلة ، ولو قرأناها دون معرفة أصحابها لقلنا بأنهم رفاق في أحد الأحزاب التي تكثر شعاراتها دون ملامسة أرض الواقع ، وهو ما لا نتمنى أن نراه ، لاسيما حين أوردت الوثيقة نقاطا عدة أبرزها النقطة السابعة التي نصت على :
" .....ضرورة العمل على بناء دولة المؤسسات ..."
والثامنة التي تقول :
" بضرورة تطبيق القانون على الجميع دون تمييز أو مفاضلة ونحن مطالبون - كأفراد أسرة حكم – أكثر من غيرنا بالتمسك فيه .."
الوثيقة جميلة ، وهي تذكير للرئيس الرفيق لما يستلزم عمله من خلال وضع خارطة طريق تكون الوثيقة التاريخية سالفة الذكر باعتبارها اللائحة التنفيذية لدستور الكويت وذلك من خلال بعض الاقتراحات وهي :
أولاﹰ : تسليم المسئولية السياسية لكل وزير في وزارته ، وتكون له الصلاحية المطلقة لتسيير أعمالها دون أي تدخل ويكون مسئولاﹰ عن هذا الأداء ومحاسبته في أول مائة يوم عمل .
ثانياﹰ : أن يتفرغ رئيس الوزراء لملفات كويتية بحته تختص بالأمور الفنية ، والثقافية ، والرياضية ، الأدبية ، لإعادة إحياء مظهر الكويت الجميل الذي فقدناه ، من خلال رؤية كاملة لذلك مع الوزراء المعنيين .
ثالثاﹰ : الاستعانة بالقطاع الخاص – كل حسب تخصصه – للتشاور في أمور عديدة مثل : قانون استقلال السلطة القضائية ، قانون B.O.T ، إنشاء المدن الجديدة ، تحصيل أموال الدولة المهدورة ، تنمية القطاع النفطي ، بإعتبار أن كل فئة مهنية لها رأيها في ما سلف .
رابعاﹰ : إنهاء ملفات تسبب تأزماﹰ داخلياﹰ وبصورة سريعة وقاطعة ، مثل : ملف البدون ، والإسكان ، ولا مانع من الخطأ حين التسرع حتى لا نقع في الخطيئة حين نتأخر في الحلول .
خامساﹰ : إعادة اللحمة بين أفراد الأسرة الحاكمة ، وأن يكون رئيس الوزراء حازماﹰ وعادلاﹰ في منع أي تجاوز من قبل أي منهم على القانون أو المال العام أو الحريات .
وفي الختام لا أحد أفضل من جملة وردت في هذه الوثيقة التاريخية طرحت على شكل سؤال من قبل الموقعين عليها ، ولم يجب عليه أحد حتى الآن وهو : " ... وهل علينا كأبناء للأسرة – أن نضع النظام درعاﹰ واقياﹰ وساتراﹰ لأخطاء الحكومة بدلاﹰ من أن تكون هي الدرع الذي يقيه ؟ " .
سؤال قد تختصر إجابته كل الخطايا الحكومية السابقة !!
صلاح الهاشم salhashem@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق