كانت
رحلة طويلة إلي شمال الكرة القطبي ، تعديت حدود ايسلندا ، شمسها التي تغيب ستة
أشهر في العام ، ركبت الزلاجات التي تقودها كلاب الفرو ، وشعرت بالشفقة عليها وهي
تجرني بوزني الذي تجاوز المائة كيلو ، كان الطريق طويلا ورطبا وباردا ، وكان لابد
من لقاء santa clause للحصول
على لقاء حصري معه لنشره ، وصلت إلي منزله الخشبي المرصع بقطع بسكوت الجنجر ،
وكانت المدخنة ترسل دخانا يحمل رائحة الكستناء المشوية ، وصلت إلي الباب ، فتح لي
بزيه الجميل ولحيته البيضاء الكثه وطربوشه الأحمر ، كان البيت دافئا صغيرا ولاحظت
صغر حجم المدخنة ، فسألته ضاحكا : يبدو أن santa الذي يأتي إليك
صغير الحجم ، ضحك بوقار ، ثم أشار إلي كرسي ملون قرب شجرة الميلاد للجلوس عليه ،
سألته أين mama santa فأجاب : خرجت لتشتري
بعض الهدايا ، فالطلبات كثيرة هذا العام ، كان الاستعجال هو هاجسي لسؤاله فبدأت .
أنا : بابا نويل ...
هو : فقاطعني : يعجبني تسميتكم لي بالعالم العربي بذلك ، رغم أن
نويل هو الاسم الفرنسي لي ، ولكن البابا عربي بالتأكيد .
أنا: دعني أسألك عن عالمنا العربي ... ماذا ترى فيه ؟
هو : يتنهد ... عالمكم مقدس ، فقد نزلت به الأديان الثلاثة ،
ولازالت نواقيس المعابد اليهودية تدق فيه وأجراس الكنائس ترن دون توقف ، ومآذن
المسجد ترفع نداء التوحيد ، ومع ذلك فأنتم أكثر أمة يزداد فيها الخلاف بسبب الدين
.
أنا : ومع ذلك لماذا أنت غائب عن بلادنا يا سانتا ؟
هو : يضحك بقهقهه يهتز معها كرشه الذي لا يقاس بكرشي أمامه : إن
حكوماتكم تأتمر بأمر رجال الدين ، أو تخشاهم ، أو على أفضل الاحتمالات لا تريد
إغضابهم ، ففي السعودية والكويت وبلاد أخرى مسلمة مثل ايران وباكستان يعاقب من
يرتدي زي بابا نويل ، فكيف يمكن توزيع الهدايا ونشر الفرح في مجتمع قاس ، ومتحكم
بمزاج القوم ؟
أنا : ربما لأن توزيع الهدايا و الهبات بل والكوادر أصبحت مهنة
الحكومات لا مهنتك يا سانتا ..
هو : مستغربا – ماذا تعني بالكوادر ؟
أنا : متجاهلا سؤاله – قل لي هل لك اتصال مع مسيحيي الشرق وعلى
الأخص في الخليج العربي ؟
هو : هل لازال خليجكم عربيا ؟ لأنني أرى على الخرائط غير ذلك ؟
أنا : بتردد – إنها بركات مجلس التعاون الخليجي الذي يختار
كلماته بحذر حين يتكلم مع ايران ... ولكن أجبني عن سؤالي يا بابا ...
هو : مسيحيي الشرق يتواجدون بكثرة في ثلاثة أماكن رئيسية ، بلاد
الشام وهي الآن لبنان وسوريا والأردن ، ثم العراق ومصر ، وأشعر بالحزن لأنهم
يضطرون – أو أغلبهم – إلي إخفاء احتفالاتهم وصلواتهم خشية إغضاب المتشددين في هذه
الدول الذي يصدرون الفتاوي حول عدم ليس فقط إقامة هذه الاحتفالات والصلوات ، بل
حتى عدم جواز مشاركة المسلمين لهم وتهنئتهم بها ، بل حتى قبل وصولك إلي هنا دخلت
إلي العم غوغل لأقرأ عن شيوخ دينكم فقرأت لأحدهم اسمه ناظم المسباح الذي وصف
احتفالات الكريسماس بالمحرمة ويحذر الاحتفال بها ، وفي نفس الوقت هناك رجل دين
مسلم آخر اسمه محمد المهري يجيز الاحتفال بها ، فكيف هذا التناقض بذات الدين
الاسلامي ؟
أجبته – بحذر شديد – سوف أجيبك بما قاله كتابنا المقدس القرآن
الكريم في سورة " الممتحنة " "
لا ينهكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم
وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين "
وأيضا في سورة المائدة " ولتجدن أقربهم مودة للذين أمنوا
الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون "
-
هو : هذا ما أتوقعه من دينكم الاسلامي العظيم .. ولكن كيف تفسر
لي وجود مثل هذه الآراء لرجال دين لديكم ؟
أنا : في الاسلام لا يوجد رجال دين كرهبان المسيحية أو حاخامات
اليهود ، فلا رهبنه في الاسلام ولكنه اجتهاد الناس واختلاف آرائهم ، ولكن ...
هو : فأشار بيده لاسكت ، ثم نهض إلي مكتبة صغيرة مصنوعة من خشب
الجوز وأخذ كتابا ذو غلاف جليدي مهترئ وفتح فيه وقرأ بصوت عال ما ترجمته :
" علام التعادي لإختلاف ديانه
إن التعادي في الديانة عدوان
فأي اعتقاد مانع من أخوة
لها قال أنجيل كما قال قرآن
كتابان لم ينزلهما الله ربنا
على رسله إلا ليسعد إنسان
أقفل الكتاب بهدوء وقال
لي : أترى هذا الشعر ؟ أنه من أجمل القصائد التي أقرأها ، وأحاول الآن تعلم اللغة
العربية حتى استمتع بالنغم الموسيقي فيه ...
أنا : قمت من مكاني وأخذت الكتاب لمعرفة اسم الشاعر ، كان
" معروف الرصافي " الشاعر العراقي الفحل ، وكان الكلام مكتوبا بالعربية
ومترجما بخط صغير قربه بالانجليزية .
هو : وسألني وهو يعد لي قدحا من الشكولاته الساخنة : أراك تبتسم
؟ هل تعرفة ؟
أنا : ليس شخصيا ولكنه معروف بتسامحه ..
هو : هل لازال الأمر كذلك حتى الآن ؟
أنا : بخجل وألم – لا يا سانتا ، فقد تم ترويع المسيحين في
العراق ومصر وبلاد الشام ، ومن السخرية أن المسيحين يشعرون بالأمان النسبي أكثر في
فلسطين وبيت لحم خاصة مع أنها تحت الاحتلال الاسرائيلي .
هو : لنتكلم عن الكويت ، هل لديكم مسيحين كويتيين ؟ فقد سمعت أن
لديكم قسيسا كويتيا وكنائس ؟
أنا : نعم .. يوجد وهو أول قسيس كويتي وله علاقات طيبة مع كل أفراد
المجتمع الكويتي ولدينا أكثر من عشر كنائس رسمية أيضا..
هو : إذا ما مشكلتكم في الكويت ؟ ولماذا أسمع دوما عن احتجاجات
، ومظاهرات ؟ هل هي بسبب المعتقدات الدينية أم لأسباب أخرى ؟
أنا : ابتسمت في داخلي وأنا أتخيل كتابة كلمة " أخرى
" بضم الألف وليس بغيرها !! – ليس بسبب الدين واختلافه ولكننا وصلنا إلي درجة
من الحدة تسببت في استقطابات بين الدين الواحد ومذاهبه .
هو : قاطعني ... هل تعني كالبروتسنات والكاثوليك ... قالها بفزع
!
أنا : ليس إلي هذه الدرجة ... ولكن ...
هو : قام من مكانه محتدا : لا توجد درجات في هذه الأمور وماذا
تفعل حكومتكم التي يسمنونها رشيدة ؟
أنا : ضحكت حتى انسكب قدح الشكولاته على ملابسي ، فقد أعجبني
لفظه الرشيدة بلسان بابا نويل وقلت له : تحاول إرضاء الكافة بإعطاء الأموال
والهدايا والمنح ... والكوادر .
هو : بضحكة مجلجله ... تقصد أنها تأخذ دوري كسانتا كلوز ولكنها
تفعله بسبب السياسة وليس بسبب نشر الفرح .
أنا : أجبته باسما : كل حكومات الربيع العربي تريد أن تأخذ دورك
الآن يا بابا نويل !!
هو : اسمعني ... أريد أن أكون كويتيا حتى أحظى بالمنح والهدايا
... فكم هو جميل الشعور بالأخذ كما هو العطاء ..
أنا : لو أتيت إلي الكويت فلن يعطوك الجنسية الكويتية لأنك لم
تقم بما يصفونه بالأعمال الجليله – من وجهة نظرهم – وستبقى يا سانتا كلوز أول وآخر
سانتا كويتي – بدون ..!!
هو : مستغربا : ماذا تعني بالبدون !!
أنا : وقبل أن أجيب .. دخلت مامام نويل زوجة سانتا كلوز .. وهنا
استأذنت بالرحيل وقلت لهما .. ربما في لقاء قريب بالكويت أستطيع أن أفسر لك سبب
بقاء واستمرار فئة البدون لدينا ...و MERRY X MAS ، وهنا عند خروجي تعثرت في
السجادة وسقطت أرضا وحين استيقظت مذعورا ،
وجدت نفسي أسفل فراشي ، فقد كان حلما
جميلا .. وباردا ...وكريسمسيا
...
للرقيب كلمة :
يقولون أن د. محمد الصباح كان " ضرس يرقل وشلعناه "
والحق أنه كان "
ضرس العقل " الوحيد ..
للرقيب كلمة ثانية :
تقرير الشال الأخير هو خارطة الطريق الأخيرة لهذه الحكومة .
للرقيب كلمة ثالثة :
الهيئة العليا للإنتخابات شطبت مرشحين أصبحوا نواب لسوء السلوك
... المحكمة أسقطت ذلك .. هل استأنفت الهيئة هذا الحكم ؟
للرقيب كلمة رابعة :
شكرا للربيع العربي فقد ترددت كلمات حقوق الإنسان والميثاق
والمحكمة الخاصة به في قمة مجلس التعاون الخليجي ، شكرا لبو عزيزي ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق