الأربعاء، 7 أغسطس 2013

بل غيبت ولم تغب يا دكتور

كتب الصديق العزيز الدكتور سليمان العسكري مقالا رائعا في القبس بالأمس ، يتساءل فيه حول سبب غياب توثيق تجربة الغزو العراقي المريرة ، وهو تساؤل في محله طرحناه في أكثر من محفل ووسيلة ، فالغزو العراقي في بشاعته وقسوته كان نتيجة عاملين أساسيين :
الأول : غرور وجنون الرئيس العراقي صدام حسين وشعوره بالاستعلاء والقوة على جارته الصغيرة الكويت ، ولامتصاص غضب شعبه والخروج من أزمة اقتصادية طاحنة من خلال توجيه اتهامه إلي الكويت والإمارات .
ثانيا : انخداع وتصديق القيادة السياسية الكويتية لوعود عربية من قيادات مثل حسني مبارك وياسر عرفات والحسين ، والذي اتضح بعد ذلك علمهم ويقينهم بنية الاعتداء وتخطيطهم للاستفادة المادية من ذلك .  
وفي لقاء أجريته مع الشيخ نواف الأحمد الصباح في مارس من عام 1991 في ديوان فهد المعجل بالفيحاء وكان وزيرا للدفاع سألته بوضوح : " لماذا لم يستعد الجيش الكويتي ويتأهب قبل الغزو ؟ " فكانت إجابته : " لو كان الأمر بيدي لفعلت ذلك ولكنني كنت أنفذ تعليمات القيادة السياسية التي تلقت وعودا من الرؤساء العرب ونصائحا منهم بعدم استفزاز صدام حسين ، فلم يتم تجهيز الجيش بل وأعطيت إجازات للضباط والجنود حتى غدر بنا صدام "
وقد نشرت هذا اللقاء في جريدة 26 فبراير في مارس 1991 .  

بل ويروي الأستاذ جهاد الخازن في مقال له قبل أشهر ردا على نقد كتبته له حول دور المعارضة الكويتية ، بأن الشيخ صباح الأحمد حين كان وزيرا للخارجية في فترة الغزو أخبره بأنه لا يثق بصدام حسين وأنه يجب الاحتياط منه ، ومن أسف أن كل ما حدث بعد ذلك كان متوقعا سلفا .

إن أسلوب تغييب فترة الغزو العراقي المريرة وإبعادها عن السجلات التاريخية الكويتية وعن المناهج الدراسية وفق ما أخبرني به شخصيا السيد رشيد الحمد سفيرنا الحالي في مصر ، وما أوردته السيدة الفاضلة خوله العتيقي التي كانت في لجنة المناهج الدراسية بأنهم طلبوا منهم استبعاد فترة الغزو من المناهج المدرسية وكأنها فعل لا يريدون استذكاره عجزا أو جهلا أو مجاملة ، بل وحتى من عاش تلك الفترة – وأنا منهم – كنا نرى تخبطا في معالجة الأمر في الأيام الأولى من الغزو العراقي ، فقد كانت الصدمة أكبر من الجميع ، ومع ذلك فلولا شعب الكويت بعد الله سبحانه ، لما كان للكويت أرضا وشعبا وأسرة حاكمة أن تعود ، وبالتالي فالأمم الحية لا تخجل من تاريخها ولا تحاول تغييبه ، بل تستذكره وتجعل منه وسيلة لإستخلاص عبر ودروس للأجيال القادمة ، لاسيما حين يبرز من أبنائها سنة وشيعة وحضر وبدو رجالا ونساء من امتزجت دمائهم بتراب هذه الأرض ، فماذا فعلنا بعد مضي ثلاث وعشرون عاما من هذا الغزو العراقي البشع ؟
احسب معي ما لم تفعله هذه الحكومات حتى الآن :
أولا : لم يتم إنشاء ضريح أو نصب تذكاري لشهداء الكويت وأسرانا ومفقودينا حتى الآن ؟ 
ثانيا : رفعاﹰ للعتب وبعد الضغط تمت تسمية شارع قصير لا يزيد طوله عن كيلو متر واحد بإسم " شارع الشهداء " .
ثالثا : تم رفض إطلاق أسماء شهداء الكويت على الشوارع التي يقع بها منازلهم .
رابعا : تم رفع وإلغاء الغزو العراقي من المناهج الدراسية بدءا من المرحلة الابتدائية وإلي الجامعية ، مع لفت نظر الأساتذة في الجامعة إلي عدم ترداد هذا الموضوع حسب قول من أثق به من الأساتذة في الجامعة .
خامسا : تعاملت الكويت مع العراق طيلة السنوات الأخيرة وكأنها حكومة منفصلة عن شعبها ، فالمجاملات وإلغاء الديون وبناء بيوت للعراقيين والذهاب إلي بغداد كلها تمت بمعزل عن الشعب الكويتي ممثلا في مجلس أمته ، رغم أن وجود المجلس يشكل دعما سياسيا قويا لأي حكومة يجعلها دوما مقاومة لأي ضغط دولي أو إقليمي ، ولكن يبدو أن حكومتنا لا تزال تشعر بالخجل – حتى لا نقول كلمة أخرى - !! من وجود مجلس للأمة .
أخيرا إن غياب التوثيق من قبل الجهات الرسمية الكويتية لا يعني غياب الحدث الرئيسي وهو الغزو العراقي الكريه الذي تم في الثاني من أغسطس عام 1990 وتسبب في خسارة الكويت لأكثر من ألفين من خيرة أبنائها وبناتها وحرق أبارها النفطية ، وهدم بنيتها التحتية ، ومع ذلك ، فالتاريخ محفوظ خارج الكويت من خلال قرارات الأمم المتحدة والأفلام الوثائقية ، ولولا ذلك لأتى علينا وقت بعد مائة عام حين يتساءل أحفادنا عن هذا الغزو العراقي فتجيبهم حكومة دولة الكويت الرشيدة : " غزو عراقي ؟! أي غزو عراقي !؟    

●●●●●●●●●●●●●●

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق