● صاحب هذه المقولة الصادمة هو الأمير تركي الفيصل ، الذي رأس لسنوات عدة جهاز الاستخبارات السعودي ، وقالها حين أحرجه وزير الخارجية الإسرائيلي وطلب مصافحته علنا فوافق الأمير ، وهو تصرف قد يكون لا تأثير له في حينه ، ولكن يبدو أن الأمير قد ندم عليه ، ومع ذلك استغربت كثيرا من طرح الأمير تركي في مؤتمر الأمن الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي الذي عقد في المنامة حين قال الأمير في كلمته " إن الغزو الأميركي الخاطئ للعراق قد أوجد خللا في ميزان القوى الإقليمية مع إيران " وقد نقبل هذا الاستنتاج من أي شخص آخر مثل ضاحي بن خلفان رئيس شرطة دبي المشارك بذات المؤتمر ولكننا لا نقبله من رئيس سابق للاستخبارات السعودية ساهم وبشكل مباشر في خلق طالبان وأسامة بن لادن في أفغانستان وتسهيل تدخل أمريكي " خاطئ " آخر في أفغانستان بحجة محاربة الشيوعية والروس حتى انقلب السحر على الساحر ، فكيف يوصف تدخل أمريكي لإنهاء نظام صدام حسين الذي عجزت عنه العقوبات الاقتصادية وبقى مصدر تهديد لدولة شقيقة وحليفه هي الكويت في خاصرتها الضعيفة ولا يقال ذات الوصف على المساندة السعودية لغزو أمريكي " خاطئ " في أفغانستان ؟
هذه واحدة ، والثانية ، إذا كان هذا الوصف صحيحا لإطلاقه على إزاحة نظام صدام حسين فإن هذا الوصف المسمى " خاطئ " ينسحب أيضا على من سهل دخول القوات الأمريكية لتحرير العراق عام 2003 بعد أن رفضت كل دول الجوار السماح بذلك ، مما كان يعني موافقة ضمنية على استمرار نظام صدام حسين كشوكه في خاصرة المنطقة كلها وليست الكويت والسعودية فقط ، ويعني هذا أيضا أن قرار القيادة السياسية الكويتية بالسماح لهذا التدخل الأمريكي هو أيضا قرار خاطئ تسبب وفقا لرؤية الأمير تركي الفيصل في الإخلال بموازنة إقليمية استغلتها إيران ، وهي للأسف مفارقة غريبة بأن تخلط الأوراق بشكل لا يحدد المسئولية بشكل دقيق .
هذه ثانية ، والثالثة ، أن المملكة العربية السعودية هي العمق الطبيعي لدول مجلس التعاون الخليجي وكلما كان الرأس كبيرا ، كلما ازداد صداعه ، وهي مسئولية قدرية تفرض على المملكة واجبات تتناسب مع حجمها وأهميتها وقربها من كل دول الجوار ، فإذا كانت إسرائيل - وهو قياس مع الفارق بالطبع – قادرة على لجم الطموح الإيراني بمفردها وهي الدولة الصغيرة المحاطة بالأعداء ، فلماذا تخشى دولة مثل السعودية أن لا تكون صمام أمان لشعبها وأراضيها وكل دول مجلس التعاون والعراق أيضا رغم كل صفقات الأسلحة الضخمة منذ الثمانينات وحتى الآن وأشهرها صفقة اليمامة البريطانية الشهيرة ؟
القضية ليست مزايدة ، فكلنا في قارب واحد ، ولكن يحزنني كثيرا أن يخرج مقال كهذا من مقام كهذا ، فالأمير تركي يعلم جيدا أننا لا نستطيع الاعتماد على أحد بعد الله إلا أنفسنا وشعوبنا وقدراتنا ، إما لوم الغير ونقده وكأنه مسئول عن أمننا ورعايتنا فلنتركها لدولة عاجزة ليست لديها القدرة على تسليح وتطوير نفسها ، والسعودية بالتأكيد وكل دول مجلس التعاون ليست كذلك بالتأكيد .
الأمير تركي الفيصل ، المرجلة تجي وتروح ، وهي كلماتك ، فأسمح لي باستعارتها منك لأخاطبك بها ، وأعتقد باعتباري مواطنا خليجيا بأنه لا خير فيّ إن لم أقولها لك و لا خير في من لا يسمعها .
صلاح الهاشم salhashem@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق