أثناء سنوات دراسة القانون و التي تتلمذنا فيها على أيدي فطاحل رجال القانون و الشريعة آنذاك كان أستاذ الشريعة الدكتور أحمد الغندور – يرحمه الله – و كان يمتاز بخفة دم أبناء النيل و علم أئمتهم ، فسألته مرة أثناء المحاضرة من سبب نزول آيتين كريمتين في القرآن الكريم و هما : " إن من أموالكم و أولادكم عدو لكم فاحذروهم " و الآية التي تقول : " المال و البنون زينة الحياة الدنيا " ، و هل في اختلافهما معنى و مغزى ؟ فأجاب الأستاذ الجليل بتواضع العلماء : كل ما تحسن استخدامه فهو لك و ما تسئ عمله فهو عليك ، فالمال نعمة إذا تذكرت أنك أمين عليه في هذه الدنيا و الذرية الصالحة التي تحفظ لك الفضل وتستذكره ، أما إذا جعلت المال لك سيدا" و أبنائك دون هدى فأعلم يا بني أنك لن تجني سوى ثمرة ما تفعله ، استذكرت هذه المحادثة و أنا أشاهد إعلان تلفزيوني عن تخصيص مجموعة منصور عامر المصرية العملاقة عن ثلث أصولها كوقف لخدمة مصر و شعبها ، و قدرت أرباح هذا الوقف عام 2009 بأكثر من تسعون مليون جنيه مصري ، أقول استذكرت و تحسرت على عشرات إن لم يكن المئات من تجارنا الذين تعوّد أجدادهم تخصيص الوقف لأغراضه ثم بدأ الأبناء و الأحفاد في اللهاث وراء المال دون أن يفطنوا إلي الوظيفة الإجتماعية للمال من خلال تأسيس وقف خيري لتمويل جامعات أو مستشفيات أو مدن سكنية أو إنشاء مصانع تستوعب شبابنا القادمين إلي سن العمل ، و رغم أن قيام بعض أثريائنا بالتبرع المباشر و بمبالغ سخية ، إلا أنني كنت أفضل أن لا يتم صرف الأموال مباشرة لمستحقيها بل أن الوقف يقوم على حبس الأصل و الصرف من فائدته ، و هي أداة إسلامية رائعة لا أدري لماذا يسكت دراويش العصر الحديث عن ممارستها لاسيما و نحن نراهم يكنزون المال و الفضة و يتحسرون على إخراج الزكاة و إن أخرجوها فهي لقوم خارج الكويت دون رادع أو زاجر ، و هل هم يا ترى من الذين تعنيهم الآية الأولى ؟
إن الكويت بحاجة إلي استرجاع تراث الوقف و أتمنى أن ترفع وزارة الأوقاف يدها عنه بعد أن ورد في تقرير المحاسبة قبل سنوات تقاعس الوزارة عن تحصيل إيجارات مجمع الأوقاف طيلة أكثر من أربع سنوات ، و نتمنى أن يبادر تجارنا بتخصيص جزء من أموالهم كوقف جاري للعديد من الأنشطة الإجتماعية و السكنية حتى يمكن لهذا المال أن يمارس دوره الأساسي بكونه عبدا" و ليس سيدا" لمن يملكه .
و يا تجار الكويت ... يا ملح البلد ... من يصلح الملح إذا الملح فسد ؟
صلاح الهاشم salhashem@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق