يقول لي صديقي الدبلوماسي الأسبق وهو ينفث غضبا : ألم يكلمك أحد بشأن ما كتبت حول مؤسسة التأمينات ؟ ألم يثرهم هذا الموضوع وأدلته ومستنداته ؟ أليس هناك رجل رشيد في هذه الحكومة اللارشيدة ليسأل أو يستفسر أو حتى يقاضيك لتشويهك مؤسسة عملاقة مثل التأمينات الإجتماعية ؟ ازداد انفعاله حتى خشيت عليه وهو المصاب بالأمراض الكويتية التقليدية كالضغط والسكر والكولسترول ، أجبته بحذر محاولا اختيار كلماتي : هون عليك يا صديقي ، ففي الكويت فإن الهون أبرك ما يكون ، ثم ماذا يعني إساءة تصرف في استثمارات المتقاعدين وفق تقارير ديوان المحاسبة بخسارات بلغت مليارات الدنانير ؟ من يسأل من ؟ وهل يعاب الشخص إذا جلس في منصبه أكثر من ثمانية وعشرون عاما دون سؤال ودون محاسبة ودون أن يسأله أي كبير في هذه الدولة ثلث الثلاثة كم ؟
أجابني صديقي بعد أن نفث دخان السيجار الكوبي بحرقه : إذا لم يتكلم أي مسؤول لماذا لم يتكلم أي من النواب طيلة هذه السنوات ؟ هل مارس معهم مبدأ أطعم الفم تستحي العين ؟
أجبته : هناك علامات استفهام كثيرة على موقف النواب بشأن هذا الموضوع ، لا أعرف لها إجابة ومع أنني قد أفهم علاقة القرابة القبلية بين مدير المؤسسة والنائب مسلم البراك وقبله المستشار محمد ضيف الله شرار وهو إطار قد نتفهمه ولا نقبله ، ولكنني لا أفهم ولا أقبل سكوت نواب آخرين عديدين مثل النائب محمد الصقر الذي عرف بمواقفه الوطنية دوما ، فما هو السر يا ترى ؟
التفت صاحبي إلي طفاية السيجار الكريستال التي أمامه ، ثم نفث مجه كبيرة من السيجار واعتدل في جلسته وانحنى قليلا إلي الأمام كأنه يستعد للإفضاء بسر خطير : اسمع يا صلاح ، علمت شيئا وغابت عنك أشياء ، ( ثم مد يده إلي مجموعة أوراق فتح منها واحدة وبدأ يقرأ بصوت عال ) هذا تقرير ديوان المحاسبة لعام 2007/2008 وقد ورد فيه أن مؤسسة التأمينات الاجتماعية ساهمت من تاريخ يناير 1998/1999 بمبلغ خمسة وعشرون مليون دولار أمريكي في صندوقين عقاريين للاستثمار في أمريكا بناء على عرض من الشركة الكويتية للمال بصفتها ( الضامن أو SPONSOR ) وأوضحت البيانات الخاصة بالصندوقين أنه ليس لهما كيان قانوني معلن وأن الصندوقين عبارة عن شركتين في جزر الكايمان .. .
فقاطعته : وما أدراك ما جزر الكايمان ..؟
واستمر صاحبي في حديثه دون أن يأبه لمقاطعتي : بلغت مساهمة المؤسسة في الصندوق الأول 48% والثاني 65% ، بل ولم تطلب المؤسسة أن يكون لها أي ممثل في أي صندوق رغم أحقيتها في ذلك .
وقاطعته منفعلا ومستعجلا : وماذا حدث لهذين الصندوقين ؟
أجابني بإشارة من يده أن اسكت : قامت شركة المال الكويتية في أكتوبر 2002 بالتعاقد مع شركة ومكتب محاماة أجنبي لمراجعة أداء الصندوقين المتعثر ودفعوا أتعابا بلغت ما يقارب المليون ونصف المليون دولار من أموال الصندوقين أي أموال المؤسسة .
ضربت كفا بكف وأنا أعلق : يا عيني على الاستثمار والمال الكويتي وشركات المال .. الكويتية !!
قلب صاحبي الوريقات الباقية : في أغسطس 2002 صدر قرار من المساهمين وهم مؤسسة التأمينات وشركة المال الكويتية بتسييل أصول الصندوقين وتبقى في الصندوق الأول ثلاثمائة ألف دولار من أصل عشرة ملايين !!
يكمل صاحبي مستعجلا بعد أن رأى تململي وقرفي مما أسمع : في مايو 2007 ورد لمؤسسة التأمينات خطاب من الشركة الكويتية للمال يفيد بأن مدير الصندوق الثاني يطلب مكافأة مقدارها مليونين ومائتين ألف دولار !!
وسألته منفعلا : ومن هم أصحاب الشركة الكويتية للمال التي يتكرم عليها مدير مؤسسة التأمينات بإعطاء أموالنا لها دون رقيب أو حسيب ؟
يبتسم صاحبي ويكمل دون أن يهتم بإعطاء الإجابة : نشأت خلافات عديدة بين رئيس مجلس إدارة شركة المال السابق والحالي أدى إلي أن يقدم رئيس مجلس إدارة شركة المال الحالي شكوى ضد الرئيس السابق في النيابة العامة سجلت تحت رقم 402/2008 يتهمه فيها بتسهيل الاستيلاء على أموال صندوق المرديان (2) ولا أعلم ماذا تم في هذه القضية حتى الآن ...
وأضاف قبل أن يضع نضارته الطبية : كل هذه المعلومات وردت في تقرير ديوان المحاسبة لعام 2007/2008 من الصفحة (236 – 238 ) ، والذي وزع على أعضاء مجلس الأمة .. ولم يحرك أحد منهم ساكن .
يلتفت صاحبي إلي السيجار الذي التهمت النار أكثر من نصفه ، وأضاف بروح فكهة مع مرارة واضحة : أن رماد السيجار هذا في هذه الطفاية الكريستال هو بالضبط ما يعتقدة هؤلاء بأنه يساوي ما يأخذونه من أموال الشعب عامة والمتقاعدين خاصة .
أصابني إحباط شديد بعد ما سمعت ، وتساءلت بيني وبين نفسي هل يعقل أن يحدث كل هذا في بلدي ، ولا أرى أحدا يسجن أو يعاقب أو حتى يبعد اجتماعيا ؟
هل هذه القدوة التي نريد إرسالها وبيانها لأبنائنا وأحفادنا ؟ هل نحن قوم بلهاء وأغبياء ، تضحكنا كلمة ، وتغرر بنا جملة ، ونسهو عن فعل وعمل وأداء .
اللهم أننا لا نسألك رد القضاء فقد وقع بنا ، ولكننا نسألك أن تلطف بعقولنا ، وأن لا تجعل هؤلاء يقتلون أحلامنا وطموحنا .
اللهم آمين
صلاح الهاشم salhashem@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق