أثارت مقالتي السابقة حول ماكارية الشعب الكويتي صديق قديم لي ، فإتصل يبدي رأيا" ، و تشعب الحوار و طال مما يستحق معرفة رأي القراء فيه .
يقول صديقي الماكاري : " نعم نحن شعب ماكاري ، لأن الناس على دين حكوماتهم ، ففي أيام الغوص و السفر كنا نحن أصحاب اليد العليا على الحكومة ، و كنا نعطي المال كضرائب ، و بالتالي كانت المحاسبة موجودة من قبلنا ، و لهذا استمرت الكويت و أديرت أعمالها بشفافية وجوده لا نجدها هذه الأيام ... و مع ذلك ... "
فقاطعته مستغربا" : " هل نعني أن " الماكاري " الكويتية نشأت بعد توقف اعتماد الحكومة على الشعب ؟ "
فأجابني متضايقا" من قطع حديثه : " نعم و استمع إلي ذلك أيضا" ، فالشعب كان إيجابيا" حتى بداية السبعينات ، و كانت الفورة الإجتماعية نتاج فورة اقتصادية نتج عنها الإنفتاح السياسي ، و الذي أدى إلي ظهور حركات نشطة تؤكد على ضرورة مشاركة للسلطة ، و ظهرت دعوات إلي المحاسبة و المكاشفة و الشفافية كما تسمونها الآن ، و للأسف استمعت الحكومات السابقة إلي نصائح جيرانها بشأن تحجيم القوى الوطنية الليبرالية ، و قامت بتشجيع القوى الدينية و استقطاب رموزها من مصر لكي يتم لها موازنة المعادلة و هو ذات المبدأ الساداتي الذي انقلب فيه السحر على الساحر .."
سألته متلهفا" على ذاكرته المليئة : " و لكن كيف أصبحت " الماكارية " علامة كويتية بعد أن كان الشعب يحاسب و يراقب و يطالب ؟ "
نظر إلي و كأنه يراني لأول مرة : " غريب أمرك ، ماذا تتوقع من شعب يرى أن حكومته هي أضعف من أن تضع خطة و تنفذها ، هذا إن وضعتها أصلا" ؟
و كيف يمكنك أن تطلب من أي فرد أن يفكر بأمنه و سلامته و سلامة أبنائه و هو يرى حكومته تتغافل عما يجري أمامها على الشاطئ الآخر للخليج العربي ؟ و تسكت عما يطبخ و يغلي على الحدود مع العراق دون أن يكون لهذه الحكومة " الماكارية " عقلية إدارة الأزمات و مواجهتها و هو علم يفترض سيناريو بشع و خطير لكي توضع له خططا" للتصدي له ..فهل وضعت حكومتك التي تعلم منها الشعب " الماكارية " هذه الآلية للتفعيل أم اكتفت بإفتتاح المعارض ، و ترديد الأرقام الخيالية لخطة تنمية لحكومة فشلت حتى في إصلاح محطة مجاري ..؟! "
تدخلت بسرعة حتى لا يزداد صاحبي انفعالا" : " و مع ذلك لم تخبرني كيف أصبح الشعب " ماكاريا" " رغم أن الشعوب يفترض لها أن تقود لا أن تقاد ، و أن يصدر الفعل منها و ليس رد الفعل ؟ "
تنهد صاحبي بحسره و هو يقول : " عندما تفقد الأمل في الإصلاح ، و عندما لا تسمع إلا صدى صوتك أو صوت العاقلين ، و عندما يقرب الفاسد ، و يمتنع عقاب الحرامي ، و يعلي شأن ، المتملق و الواشي و الراشي ، عندما يحدث كل هذا ، ألا يجعل هذا المواطن العادي مدفوعا" لأن يفقد الأمل في إصلاح بلده ، و يكتفي بالحض على مصلحته الآنيه و الشخصية ، و أن يكون همه الأول هو الاستفادة المادية ، و تحصيل أكبر ما يمكنه من الأموال احتياطا" ليوم قد يكون أكثر قربا" مما نعتقد مما يجعله مواطنا" ماكاريا" ، و لا يعنيه سوى استلام راتبه الشهري ، و الحصول على امتيازات تعلم الحكومة جيدا" أنه لا يربطه بهذا الوطن – أو الغالبية منهم – سوى هذه المنافع ، حين يسود هذا كله ، و تغيب الرؤية و يحارب الرأي و يمنع إعلانه و يقيد نشره ، فهل تتوقع بعد هذا كله أن لا يكون الشعب في الكويت – أو أكثره – ماكاريا" " ؟
ران الصمت بيننا ، فلم أجرؤ حتى على التفكير في الإجابة .....
صلاح الهاشم salhashem@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق