الأحد، 14 أكتوبر 2012

د. محمد الصباح نقلا عن المتنبي.. أنام ملء جفوني عن شواردها...

شطر البيت عنوان المقال، كان تعليق الشيخ الدكتور محمد الصباح وزير الخارجية السابق حين طلبت منه الرد حول آثار تصريحه لـ «الكويتية» حول «المحمل» والسفينة، الذي أثار ردود فعل واسعة من خلال برامج التواصل الاجتماعي، ولهذا التصريح قصة يستوجب إعلانها الآن، فقد التقيت ورئيس التحرير الدكتور طارق العلوي بالدكتور محمد الصباح في مكتبه الخاص بشارع أحمد الجابر، وهو مكتب أنيق تطل واجهته الزجاجية على شارع الشانزلزيه (شارع عبدالله الأحمد)، وكان تعليقي الأول حول كيف يفسر وقوف حال الإنشاء في هذا الشارع طيلة كل هذه السنوات؟ فابتسم وقال..، وتكلمنا عن فرجان الكويت القديمة، وسألني عن فريج سعود والفرج، وكان حديثا ظاهره الجغرافيا وباطنه التاريخ وإسقاطاته على ما يحدث في الحاضر، حتى انضم إلينا الدكتور العلوي، وهنا أخذنا مجلسنا في زاوية المكتب الأنيق، الذي تتصدر طاولته الجانبية صورة لشقيقه المغفور له الشيخ علي صباح السالم، الذي يبدو أنه الأقرب إلى قلبه، كانت زيارتنا «لنشرب شاي الزعفران»، واعتذر عن نشر أي مضمون للقاء سوى ما نشرته «الكويتية»، ومع ذلك فما سوف أقوله هو الجانب الاجتماعي للرجل الذي شغل الشارع السياسي حين استقال، وحين صمت، وحين تكلم وصرّح!

بدأنا حوارا استغرق أقل من ساعتين، ولفت انتباهي رنة هاتفه النقال وهي مقطوعة من موسيقى باخ، وحين سألته عن عشقه للموسيقى أجاب بأن عشقه الأول هو للفن البحري الكويتي، ونهام الكويت، ويكشف سرا جميلا، بقوله: «تجدني كل يوم أحد في بيت العميري بالدعية، أضبط الإيقاع على اليّحله» (وهي وعاء فخاري يشبه أواني المياه قديما)، ويبدو أن «ضبط الإيقاع» عند الدكتور محمد عادة قديمة ترسبت لديه منذ أيام الدراسة، حيث أكد ضرورة تأصيل «ثقافة الاستقالة»، وهي ثقافة افتقدت في وطننا العربي بشكل عام والخليجي بشكل خاص، ورغم سؤال رئيس التحرير وأنا للدكتور محمد الصباح عن العديد من الأمور الحادثة حاليا، إلا أن الرجل لم يفتح قلبه إلا بعد أن وعدناه بعدم نشر آرائه السياسية، وها أنا أفعل مضطرا ما وعدته به، ولكن حديثنا عن هواياته وعشقه للموسيقى لا يندرج تحت هذا الوعد!

يعشق الشيخ محمد الصباح رياضة القوارب الشراعية، ويستمتع «بخطفه» الهواء في قاربه الشراعي، بل يراعي دوما قواعد البحر وأخلاقياته، فبحارة السفينة والسكوني (وهو من يتسلم الدفة)، مسؤولون مسؤولية مباشرة عن سلامة النوخذة، بل وسلامة السفينة، وفي تصريحه الذي نشرته «الكويتية» ومن ذات اللقاء أكد أن القفز من السفينة هو الوسيلة الوحيدة للفت الانتباه إلى أن السفينة تتجه نحو «القصّار»، (وهو حجر مدبب وحاد للغاية يكون تحت مستوى سطح الماء، ويتسبب بتمزيق السفينة من الأسفل)، ويروي الدكتور محمد أن هذه هي الوسيلة الوحيدة لإنقاذ السفينة، لأنه لا يجوز إعلان التمرد على النوخذة على ظهر السفينة -أي سفينة- لأن عقاب ذلك في قانون البحر هو.. قطع الرأس! باعتباره عصيانا يستلزم التصدي له.

أيضا قال الدكتور محمد الصباح إنه يستمتع بأداء دوره كمدرس أمام تلاميذه في الجامعة وتدريس مادة الاقتصاد، وسألته إذا كان بالإمكان حضور محاضرته، فقال باسما: «شريطة أن تقوم بعمل بحث حول دولة تدعى «ناوهن» (Naohen) تقع غرب أستراليا، وحين قمت بالبحث السريع تبين لي أن هذه الدولة في السبعينيات كانت تنتج الفوسفات ودخلها من أعلى الدخول في العالم، ولكن لم يكن هناك حصافة في الإدارة، لدرجة أن حكومة هذه الدولة اشترت سيارات فيراري، ولم تخرجها من المطار لعدم وجود طرق سريعة لقيادتها! وبعد سنوات عدة من فسفسة الأموال العائدة من الفوسفات -أعجبني السجع بين الفسفسة والفوسفات- أفلست هذه الدولة بعد انتهاء إنتاج الفوسفات!
كان بحثا مميزا لم أقدمه للدكتور محمد الصباح، ولكن اللقاء كان مثيرا ومميزا، وإذا كان رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اختاره حكما في مجلس حكماء يعطي النصح والإرشاد لرئيس المنظمة الدولية، فماذا يمنعني أنا ورئيس التحرير من أخذ جزء من هذه الحكمة والاستفادة منها..؟ ومن أسف أنها استفادة انحصرت بنا فقط بعد أن طلب الدكتور محمد الصباح وزير الخارجية السابق، عدم نشر حديث طالت معه الدقائق لتصبح ساعات!

ومع ذلك فإن التطرق لهوايات الشيخ واهتماماته الإنسانية دليل على أن الرجل صاحب رأي معين يؤطره دوما بضرورة تفعيل «ثقافة الاستقالة»، وضرورة التنبيه والحذر ولاسيما حين تمارس رياضة بحرية تكون الرياح فيها عاتية، والقصّار مختبئا!
حديث مثير وساخن يتحدث عن أمور مستحقة، ولكنني التزمت بالوعد.
وقد يسمح لنا الرجل بنشره كما وعدنا..
ولازلنا بانتظار الوعد..

salhashem@yahoo.com صلاح الهاشم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق