الاثنين، 8 أبريل 2013

للغنـاوي ... حكـاوي ..

يضيق الصدر قبل العقل عن ترداد السياسة وأمورها والسياسيون وأخبارهم ، فلا أجد لي منفذا أو مصبّرا لي سوى باللجوء إلي حكايا الفن والطرب و أهله ، فهم ملح الحياة ، و كوثرها ، ومائها ، ولا يعتقدن أحدكم بأنهم يعيشون في أبراج عالية ، بل أن تعليقهم ونوادرهم وتسامرهم هو انعكاس لطيف وجميل لواقع سياسي واجتماعي ، يقل من ينظر إليه ، ويقل أكثر من يفهمه ، فحين نقرأ للشاعر علي الجارم قوله :
من عهد قابيل وليس أمامنا         في الأرض سوى تشاكس وعراك

وهو بيت من قصيدة غنتها له أم كلثوم بدايتها " مالي فتنت بلحظك الفتاك .." وحين يردد أن الإنسان لازال في عراك وهو الذي مات عام 1949 ، فماذا تتوقع أن يقول الآن في هذا العصر .
ليس هو فحسب ، بل أنني حين أقرأ وأستعيد قصيدة " لست أدري " لإيليا أبو ماضي " والتي غناها الراحل عبدالحليم حافظ في فيلم الخطايا ، نجد أن ضياع الدرب وتقاطعه ينطبق على لسان حالنا كبشر .. أي بشر .. يقطن على ضفاف بحر أو محيط ، لاسيما حين يردد : " هل أنا حر طليق أم أسير في قيود "
هل أنا قائد نفسي في حياتي أم مقود ؟
وهو تساؤل عروبي نراه في بلدان الربيع العربي ونحن منهم بالطبع !!
ولم يسلم الشعر والغناء من تطرف الهوى والعشق فهذا الأخطل الصغير ( بشارة الخوري ) يصف لقاءه مع من يحب :
فأصاب صدرك صدره لما انحنى    وتكهرب الفمان فإتحدا فما
أو حين يتطرق بشعره ويقول بصوفية نادرة :
لو إن بعض هواك كان تعبدا      وحياة عينك ما دخلت جهنما
وحين استرجع شعرا يبقى في الذاكرة ولم يغنه أحد فليس سوى عمر أبو ريشه يصف بسخرية بالغه وضعنا بقوله :
لا يلام الذئب في عدوانه     إن يك الراعي عدو الغنم ..
ولا تعليق لدينا !!

وليست كل القصائد أغاني ، وإن كان ما يصلح للشعر وقراءته لا يصلح للغناء وأوزانه ومقاماته ، فقصيدة  نزار القباني " رسالة من سيدة حاقدة " تغيرت لإلغاء لفظه حاقدة حين غنتها فايزه أحمد بلحن لزوجها محمد سلطان ، بل وألغي شطرا فيها يقول :
" لا تعتذر يا نذل .. لا تتأسف "
حين اكتشفت المرأة خيانته ، وقالت له :
" أنا لست آسفة عليك .. لكن على قلبي الوفي  .. قلبي الذي لم تعرف "
فمن منا يعرف قلب المرأة كما يجب ؟ وهل تسمح المرأة بذلك ابتداء ؟
وما دمنا مع نزار فقد غنت له ماجدة الرومي قصيدة " مع الجريدة " وهي منقولة بحرفنه بالغة من قصيدة جاك بريفير وهو شاعر فرنسي ، ولم يتورع نزار عن اقتباس – حتى لا نقول كلمة أخرى – عن استخدام ذات المفردات بعد تعريبها .. ولمن يهمه الأمر فالقصيدة منشورة في ديوان نزار          " قصائد " .
من اللطائف والنوادر ، أن العديد من أمراء الخليج وشيوخه ينظمون الشعر ويقولونه ويستحسنون من يردده ، فالشيخ أحمد الجابر الصباح نظم العديد منها أشهرها " يا سعود مضى من الشهر خمس و عشرين ما شفت خلي " ، وسعود هو نديم الشيخ وصديقه الراحل سعود المطوع ، وأيضا الشيوخ عبدالله السالم الصباح وجابر الأحمد الذي كان يوقع بإسم مستعار ، ومنهم الأمير عبدالله الفيصل الذي كان يوقع بإسم " محروم " وهو صاحب رائعة " ثورة الشك " وهي قصيدة تعددت أسباب كتابتها وكلها مما لا يناسب المقام نشره ، وربما لا يعرف العديد أنه مؤلف أغنية " يا مالكا قلبي " لعبدالحليم ، ورغم أن مطلع الأغنية قد سبقه إليه الشاعر : أحمد مخيمر " في قصيدة لحنها أيضا محمد الموجي وغنتها نجاح سلام قبل عبدالحليم ، ولكن نترك ذلك لتقدير القراء ، وأيضا لعبدالله الفيصل " سمراء يا حلم الطفولة " التي غناها حليمو أيضا وفيها بيت شعر جميل يقول فيه مخطابا معشوقته :
ووسيلتي قلب به مثواك إن عزت وسيلة       فلترحمي خفقانه لك .. واسمعي ترتيله

وهو نزوع من الشاعر إلي دائرته الدينية واقتران نبضات القلب بخشوع الترتيل ، وهو أطهر المشاعر وأنبلها . 

وحتى لا نذهب بعيدا انظروا إلي توارد الخواطر !! بين عبدالله الفيصل والشاعر اللبناني أمين نخله الذي سبق الفيصل في كتاب " الشباب المطمئن " في ديوانه دفتر الغزل وبذات الوزن والقافية لثورة الشك . 

ونختم بطرفه للست وهي جالسه مع جورج جرداق وعبدالوهاب يستمعان إلي قصيدة " هذه ليلتي " ويقول جرداق :
هذه ليلتي وهذا العود    بث فيه من سحره داوود
فاعترضت الست على إيراد اسم النبي داوود مراعاة ، واحتسابا ، فاستغرب جرداق ذلك وقال : ولكن عبدالوهاب غنى  " وهل ترنم بالمزمار داوود ؟ " وحتى أنتي يا ست غنيت في سلو كؤوس الطلى ، " جرت على فم داوود فغناها " فما المانع الآن ؟ 
وترد الست بظرف وذكاء : " أيوه يا جورج .. بس يومها ماكانش فيه إسرائيل ونجمة داوود " .


 لنقرأ ذكريات الأغاني وسيرة من يغنيها ففيها راحة للنفس وإسقاط للكثير مما نراه الآن على مفردات النغم والشعر . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق